Quantcast
Channel: ثقافة وفن –سوريتي
Viewing all articles
Browse latest Browse all 379

كيف انتقم النظام من (بدوي الجبل) بعدما أهدى كتابه إلى الملك الشهيد (فيصل)؟

$
0
0
ولماذا، أنتم، الشعراء التقدميين، لا تقومون بدوركم في التصدّي للشعراء الرجعيين.. كـ(بدوي الجبل) وأمثاله!؟. "أقدّم إلى العربيّة ديوان شاعرها(بدوي الجبل)" بهذا افتتح (أكرم زعيتر) مقدمته لديوان (بدوي الجبل). لم يقل أقدم إلى محبي شعر(بدوي الجبل)، لم يقل أقدم إلى قراء الشعر العربي، حتى لم يقل أقدم إلى الشعب العربي، قال:"أقدم إلى العربيّة". كلّ العربيّة. لغة وشعباً وأرضاً وتاريخاً وقيماً. يقدم لها ماذا؟ ديوان شاعرها.. (بدوي الجبل). ولد (ديوان بدوي الجبل) بأبهى حلّة، في بيروت بتاريخ 1/10/1978، بعد فترة مخاض طويلة من صاحبه، هو الذي لم يصدر سوى (البواكير) 1925، بإهداء: "إلى الشهيد الراقد في ميسلون. الروح الكبيرة التي تمرّدت على العبودية.."، وكانت الحرب تطحن برحاها بيروت، لكن هذا لم يمنع أن تنفد /5000/ نسخة مطبوعة من الكتاب، وسنة /1978/ لم تنته بعد. بيعت المئات من النسخ في لبنان والأردن والعراق، أمّا الآلاف فبيعت في سوريا.. وطن (بدوي الجبل) وأهله وشعبه. لكن شيئاً في الكتاب كان مستهجناً في سورية حينذاك، فاستقبل حدث صدور ديوان شاعرها الكبير، الذي اعترفت بعلو كعبه كل المنابر والقامات الشعرية والأدبية العربية، بردة فعل غير راضية وغير معلنة في آن، ذلك الكتمان، والتجاهل، والتنكر، فلم ينوّه به خبر صحفي، ولم يكتب عنه مقال. لم يشد به أحد، ولم يهاجمه أحد، ولهذا دلالته العميقة. (بدوي الجبل) لا يمكن مهاجمته في سورية. دخل الديوان وطنه، واقتنى مواطنوه كل نسخه بأيام معدودات، ووضعوه بجانب المتنبي وأبي تمّام، وهذا كلّ شيء. بدوري، ابتعت نسختي وأهديتها لأبي، وعمدت أن أزور (بدوي الجبل)، في بيته المطل على حديقة (البطرني) في اللاذقية، بصحبة صديق أدين له بلقائي الشاعر وتكحيل عيني بمرآه، أذكر ترحيبه وتباسطه، ومبادلتنا المزاح، يا لتلك الروح العظيمة. في المقابل أذكر أنّني التقيت حينها، بشخصية مقربة من الحكم، فسألني إن كنت اطلعت على ديوان (بدوي الجبل) وعن رأيي بإهدائه؟..أجبت:"نعم..وظنّي أن (البدوي) كان صديقاً للملك فيصل، وتأثر كثيراً باستشهاده"..عندها نهرني:"..ولماذا، أنتم، الشعراء التقدميين، لا تقومون بدوركم في التصدّي للشعراء الرجعيين.. كـ(بدوي الجبل) وأمثاله!؟. أعود الآن وأقرأ الإهداء، في طبعة الديوان الأولى، التي لم أفاجأ، بوجودها في مكتبة جاري في الطابق الثاني، وسأنقله بكامله هنا، كوثيقة أدبية: [إلى الملك الشهيد فيصل بن عبد العزيز آل سعود. لقد حرمك استشهادك أن تصلّي في المسجد الأقصى، ولكن استشهادك سيكتب في لوح القدر أن يصلي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في المسجد الأقصى. وستكون ذكراك وأحزانك وإيمانك النغمة السمحة الساجية عندما يؤذن المؤذن فيهِ: الله أكبر.الله أكبر. وعندما يتابع المؤذن: وأشهد أنّ لاإله إلاّ الله وأشهد أنّ محمداً رسول الله]. (بدوي الجبل) إذن.. بان السبب وبطل العجبّ، لقد تمّ اعتبار الإهداء، نكراناً لجميل الرئيس حافظ الأسد الذي يروى:..عندما اعتدي على (البدوي) أثناء قيامه برياضته الصباحية في دمشق بتاريخ 27/4/1968، واختطف لثلاثة أيام من قبل ملثمين، لم يجر الكشف عن هويتهم والجهة التابعين لها، رغم مرور الزمن، أنّه بصفته وزيراً للدفاع آنذاك، قد وجّه إنذاراً صارماً للخاطفين، أجبرهم على إطلاق سراح الشاعر ورميه فاقد الوعي أمام إحدى المشافي. وذلك، كما يروى أيضاً، عقاباً على قصيدته (من وحي الهزيمة) التي يهاجم فيها الحكّام العرب، دون أن يستثني حكّام بلده. بقي (البدوي) متأثراً بهذا الاعتداء، جسدياً ومعنوياً، حتى وفاته. ويا لها من مفاجأة، بعد/38/سنة من ولادة (ديوان بدوي الجبل)، و/35/ سنة من رحيل صاحبه/1903-1981/، أن تقوم وزارة الثقافة- دمشق، بإصدار الطبعة الثانية منه، وبحلّة لاتقلّ عن الأولى، فخامة وأناقة، إلاّ أنّها تزيدها سعراً، بستة وعشرين ضعفاً، وكأنه علينا حتى مع الكتب أن نأخذ بالحسبان ما آلت إليه قيمة صرف الليرة السورية بالعملات الأجنبية، وبسبب هذا السعر، رغم حسم 50% منه، كما أخبرني الموظف المسؤول عن صالة بيع الكتب في المركز الثقافي، مازال هناك عدد كبير من النسخ مكدّسة على الطاولات والرفوف. نعم، الكثيرون من مشتري الكتب السوريين، لا يملكون، اليوم، هذا الوافر من النقود، ليبتاعوا ديواناً شعرياً، حتى وإن كان صاحبه شاعرهم الكبير (بدوي الجبل).       "سعر النسخة/2600/ل.س&8230;"ولكن، خلافاً لما اعتادت وزارة الثقافة في تاريخها الطويل،لم يكتب "داخل القطر..ومقابلها في الأقطار العربية/&8230;../ل.س أو ما يعادلها". فمنذ ست سنوات تقريباً، ما عادت كتب وزارة الثقافة ذات السمعة الطيبة توزع في البلاد العربية، لذا لم يطبع من الكتاب سوى/1500/نسخة. ولذا أيضاً هذه المرة، (أكرم زعيتر)لا يقدّم إلى العربية ديوان شاعرها (بدوي الجبل). فيا للحسرة. غير أنّ مفاجأة أخرى كانت تنتظرني، وأنا أقلب صفحات الطبعة الثانية، لأجد مقدمتين إضافيتين، أو لأقل استهلالين، لأنّ مقدمة (أكرم زعيتر)، لحسن الحظّ، مازالت تحتل مكانها في الكتاب. الاستهلال الأول، بتوقيع السيد وزير الثقافة (السابق)، وفيه توضيح هام، بأنّ الوزارة قد عملت على تدقيق وتنقيح الطبعة الجديدة، وفق التصويبات التي أوردها الشاعر العربي الكبير بخطّ يده على نسخة الطبعة الصادرة في بيروت، كما تمّت إضافة أبيات لعدد من القصائد وردتنا من عائلته، فضلاً عن قصيدة رثاء كتبها الشاعر في مطلع شبابه. الأمر الذي استهجنه البعض، لأنّ القصيدة ليست بسويّة شعر (البدوي)، ولأنّه لو رغب الشاعر بإضافتها في ديوانه، لأضافها بنفسه ضمن جملة تصحيحاته. ولكن من يعلم! الاستهلال الثاني، جاء إهداءً. إهداءً بديلاً، مذيلاً باسم (آل بدوي الجبل) مما أثار استغرابي، فأنا أعرف أن (بدوي الجبل) من (آل الأحمد) وهم لا يختصرون باسم (بدوي الجبل) مهما علا شأنه بينهم، فالأب الإمام العلامة (سليمان الأحمد) وصاحب المقام، هو بحدود معرفتي، من تنتسب له وتكنّى به العائلة. لكنّ هذا ليس وحده اللافت، فقد رأى (آل بدوي الجبل) بإحساس عال من الوطنية، وسورية، وطن (بدوي الجبل) الذي اختار الموت فيه، رافضاً خيارات وعروضاً كثيرة، أحدها من الرئيس جمال عبد الناصر، رغم أنه هجاه يوماً، ولقّبه بـ(كافور) و(فرعون) قائلاً:"مهما حدث لي في وطني أخفّ علي من جنّة الغرباء" أن يجزموا لو كان البدوي حياً ". وهكذا بات طبيعياً- بغضّ النظر عن استحالة إبقاء هكذا إهداء، على كتاب تصدره جهة رسمية في سورية، بتوجيه من رئيسها وشكر له، كما ختم الاستهلالان، لملك دولة متّهمة بالضلوع في المؤامرة الكونية على سورية- أن يُنسخ، تلاوة وحكماً، إهداء (بدوي الجبل) الذي يبدو وكأنه عاد معتذراً وتائباً، ويصحّح التاريخ كما يريد من يعيدون كتابته على النحو الذي يرغبون. منذر مصري: هنا صوتك

Viewing all articles
Browse latest Browse all 379

Trending Articles