لم تكن نوتردام هي الاجمل معمارياً من بين شقيقاتها القوطيات المنتشرات بكثرة في حواضر القارة العجوز ، وقد تكون ألاقل قيمة فنية من بينهن . ولم تكن ألابنة ألاولى لذلك الطراز القوطي الاوروبي المرصع بملامح العمارة ألاسلامية وتأثيراتها البينة { الاقواس المركزية في الداخل والخارج تحديداً } ، هناك كاتدرائية صغيرة في حي سانت دينيس الباريسي سبقتها اليه . وقد اجازف قليلا أو كثيراً ، وهذا مجرد رأي غير علمي لشخص مر بالكثير الكثير من كاتدرائيات القارة ، حين أقول : تتفوق كاتدرائية شتيفان في قلب فيينا جمالياً على نوتردام . تتفوق كاتدرائية كولونيا الالمانية عليها . وكذلك تفعل كاتدرائية براغ ، او ويلز البريطانية ، والمذكورات قوطيات الطراز . وماذا تكون نوتردام ، هندسة وجمالاً ، أمام كاتدرائية ساغرادا فاميليا ، العائلة المقدسة ، إلتي ابدعها العبقري غادوي في برشلونه ، مع أنها لم تكتمل جراء وفاته ولم تكن قوطية كذلك ؟
لعل نوتردام إلتي احترقت هي الاقل جمالاً في الحقل المعماري الفاتن ذاك ، ولكنها ألاهم فيه ، بل هي الآهم .. وأظن أن أهميتها لا تجيء ، وفقط ، من كونها تقوم في باريس ، وعن باريس يمكن مسائلة الوعي الجمعي لسكان المعمورة وحضور المدينة الباذخ فيه . وهي لا تجيء عبر ألاحداث التاريخية الكبيرة إلتي دارت فيها ومن حولها ، فهناك الكثبر من ألاحداث الشبيهة والهامة إلتي شهدتها كاتدرائيات القارة ..
أجازف مرة أخرى ، وقد لا أفعل ، وأقول : اهمية نوتردام تعود إلى فيكتور هوغو ، إلى ألاحدب كوازيمودو ، إلى ازميرالدا الفاتنة ، وإلى ذلك ألاحساس الفذ بالعدالة ألذي عبرت عنه الرواية العظيمة وهي تكشف عن الجمالي الكامن عميقاً في سريرة ألاحدب { القبيح } خارجياً ، كما هو كامن في الروح العذبة لمعشوقته صعبة المنال ، لتكون العذوبة مشتركة وواحدة في الحالتين ، وبصرف النظر عن مفاتن الراقصة الغجرية ، ازميرالدا ، أو التشوهات الخلقية الخارجية لقارع الاجراس في نوتردام ، كوازيمودو .
نوتردام ذاكرة ادبية ، ضمير عدالة كونية لا يحترق ولا يموت ، قد تطيح النيران بأبراجها وأقواسها وبعض جدرانها ، وقد تفقد شيئاً من ملامحها الخارجية التقليدية حين يُعاد ترميمها ، وسوف يُعاد . ولكن رموزها البليغة والهادرة على الدوام لن تفقد شيئاً من معانيها الخالدة ابداً .
نوتردام هي علامة فارقة في معبد الحرية الكوني.. الحرية إلتي حلم بها كوازيمودو وهو يتأمل خصر ازميرالدا المثير وهي ترقص في ساحتها ، والحرية لا تموت ، قد تحترق قليلاً ، ولكنها تعود.. مثل العنقاء ، تعود من الرماد وتحلق من جديد .
من هنا بالضبط تجيء اهمية نوتردام ، ولهذا بالضبط نحزن لمصابها ، مصابنا ، نحن الذين شُغفنا بشعر ازميرالدا ألاسود وهو يتطاير حين ترقص فرحاً وابتهاجاً بالحرية ، حريتها المنشودة انذاك ، وحريتنا المشتهاة اليوم وفي كل يوم